مهما كان سبب تسمية الشهر الأول للزواج، بشهر العسل، سواء جاءت التسمية من البابليين قبل 4 آلاف سنة، حيث كان يقدم للعروسين طيلة شهر قمري الشراب الذي أول من عرفه البابليون- ممزوجاً بالعسل الأبيض أو جاءت من الرومان حيث كان يقدم أب الزوجة ماءً ممزوجاً بالعسل طيلة شهر كامل، ومنها جاءت التسمية الإنجليزية «Honey Moon» والهنود يسمونه «شادي كي بيهلا»، وتعني القمر الأول بعد الزواج، وبالفرنسية «Lune de miel» وبالإسبانية «Luna de miel»، وكلها تعني قمر «شهر» العسل الذي يُعد من أجمل رحلات العمر، وأمتع الأسفار، لأن كلا الطرفين يحاول أن يتجمل فيها، ويظهر كل محاسنه مرة واحدة، لكسب وِدّ الآخر، ومحاولة فرض السيطرة الأولى، وإبداء هيبة قد تكون ناقصة، وتثبيت الأكتاف قانونياً، بعدها كل شيء يهون، ولو لم تمش على صراط مستقيم كما تود الزوجة دائماً، وربما يتغير كما تشتهي إرادة الحياة.
كان خط رحلتنا أنا وسهيلة في شهرنا «العسل» اليونان، إسبانيا، فرنسا وهولندا، في تلك البداية التي يفترض أن تكون جميلة بالمطلق، لا بد للإنسان المتزوج العاقل أن لا يشكو من حقيبة عروسته الثقيلة، لأنه من الضرورة إثبات قوته ومتانة جسده، ولكي يبرر لها أن مسألة الطحن في الوجبات الثلاث تأتي أُكلها، وتمنيت في داخلي، بدعاء كاد يستجلب الدمع أن لا تطرأ على بالها، وضعية البطل في الأفلام حين يحمل زوجته في ليلة زفافها بين ذراعيه، خاصة وأنها لا تعرف الحيل والخدع السينمائية، بحيث البطل في الفيلم حتى عرقه تمسحه فتاة «المكياج»، ولا يقدر أن يرفع عمره، وقد كنت شغوفاً في ريعان شبابي بتلك اللقطة السينمائية التي تدغدغ عواطف المراهقين، فيفرحون بحركة الرفع والخطف تلك، ويتمنون لو كانوا بدلاً من البطل، لكن مرة جربتها مع وزن الرافعات الثقيلة، كادت أن تتسبب لي بعاهة قصر دائم، وتدفن نصفي في الأرض، فحاولت أن أشغل بالها، بفتح الأبواب لها، وتقديمها أولاً على طريقة «الجنتلمان» الإنجليزي: «ليدز فيرست»، والفطور إذا أرادته كسولاً، أحضرته لسريرها، كنت حريصاً أن أنام نومة الذئب العطش بعين واحدة، لكي لا تسمعني وأنا أتضارب مع خلق الله في الأحلام أو تسمع نخرة طويلة على البحر الكامل مع الحركة الرابعة لـ «بيتهوفن» أو أتم أهاذي بأسماء نساء كن مزهرات في محطات العمر، ربما مرد ذلك الحرص لكي تمر إجازة شهر العسل بسلام، وإذا ما أقفلنا راجعين إلى الديار، فلتنزل «زيران» أسيادها من رأسها.
أمضينا أياماً جميلة وسعيدة في أثينا والجزر اليونانية، بحيث لم تسمع مني إلا كلمة «غناتي وحياتي ونظر عيني والغالية»، وكل مسميات عطور «أجمل»، حتى تيقنتُ أنها تكاد تقول: «لقد فزت بفارس أحلامي»، وأنا أجرّ عليها «مواويل يا ليل وعتابا وسرى الليل يا قمرنا».
في اليونان كنت أنا السيد المتبصر العارف، وكانت هي أشد ما عليها الأسماء اليونانية الموغلة في التاريخ والقِدَم، وأنا أعزف وأغرف لها من الأساطير اليونانية والمسرح الإغريقي، وحكم من أقوال فلاسفة اليونان، وهي مستمعة ومندهشة من ثقافة لا تعرفها، وربما لم تحبها، وكل ليلة عشاء فاخر في باخرة أو مطعم بحري عتيق، وأجمل الليالي حين تربعت على شرفة لا تتسع إلا لرأسين، فوق جبل في فندق «سانت ريجيس» بحيث يمكنك أن تعد بيوت أثينا، متطلعاً نحو معبد المدينة العالية «أكروبوليس»، ليلتها شعرت أن سهيلة ستغدو زوجة صالحة لرجل يشك في استقامته دوماً.. وغداً نكمل.